الاضطراب التراكمي.. شرطة لندن تعيد صلاحيات ملغاة لقمع الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين

الاضطراب التراكمي.. شرطة لندن تعيد صلاحيات ملغاة لقمع الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين
احتجاجات مؤيدة لفلسطين في بريطانيا

كشف خبراء قانونيون عن استخدام شرطة العاصمة في بريطانيا لصلاحيات ملغاة لقمع الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين، وأكد المحامون أن لوائح "الاضطراب التراكمي" أُلغيت في مايو 2025، وبالتالي لا ينبغي استخدامها، لكن الشرطة ووزارة الداخلية أصرتا على استمرار تطبيق هذه الصلاحيات عند فرض قيود على الاحتجاجات، رغم حذف أي إشارة إليها من التشريع.

وصرّح الشريك في مكتب هودج، جونز آند ألين للمحاماة والمحامي الجنائي البارز المتخصص في حقوق الإنسان والاحتجاجات، راج تشادا: “لا يوجد أي ذكر للاضطراب التراكمي في التشريع الأصلي. وقد أُلغيت اللوائح التي أدخلت هذا المفهوم في مايو 2025، لذا لا أفهم كيف يمكن للشرطة الاستمرار في اتباع هذا النهج.. لا يوجد أي أساس قانوني لهذا الأمر على الإطلاق.” وفقاً لصحيفة "الغارديان".

وأشارت شبكة مراقبة الشرطة (نتبول) إلى أن هذه الممارسات كشفت عن حملة قمعية مستمرة ضد الاحتجاجات وصلت "مرحلة مقلقة"، مؤكدين أن الشرطة لا تُبالي بمدى التزامها بالقانون.

ذكر منسق الحملات، كيفن بلو، أن المشكلة تكمن في انعدام المساءلة والشفافية لدى الشرطة في استخدام صلاحياتها لتقييد الاحتجاجات أو الحد منها، وهو ما يضع حرية التعبير ضمن خطر مستمر في بريطانيا.

وكانت وزيرة الداخلية، شبانة محمود، قد أعلنت خلال أكتوبر عن خطط لإعادة العمل بصلاحية النظر في الأثر التراكمي بصيغة مشددة من خلال مشروع قانون الجريمة والشرطة المعروض على البرلمان، ما يطرح تساؤلات حقوقية حول مدى دستورية هذه الخطوة.

تجاوز حدود القانون

أوضح الضابط المتقاعد رفيع المستوى، نيك غلين، الذي أمضى أكثر من 30 عاماً في شرطة ليسترشاير، أن "الشرطة تتمتع بصلاحيات واسعة جداً فيما يتعلق بالاحتجاجات، وهي بالتأكيد ليست بحاجة إلى المزيد.. فإذا مُنحت هذه الصلاحيات، فإنها لا تكتفي باستخدامها فحسب، بل تتجاوز حدودها".

وأشار غلين إلى أن الحق في الاحتجاج حق مقدس، والمزيد من قمع الاحتجاج يُضعف من قيمة الديمقراطية، ما يجعل التدخل المتكرر للشرطة قضية حقوقية حساسة تتعلق بحرية التعبير والتجمع السلمي.

ألغيت في 2 مايو 2025 لوائح كانت تُقيد الاحتجاجات إذا بلغ تأثيرها التراكمي عتبة "اضطراب خطر في حياة المجتمع"، بعد طعن قانوني من منظمة "ليبرتي" الحقوقية، وهو ما يوضح الخلاف القانوني بين الممارسات الشرطية والتشريع القائم.

وأظهرت وثائق حرية المعلومات أن الشرطة منعت مجموعة يهودية مؤيدة لفلسطين من تنظيم احتجاجها الأسبوعي في 7 مايو 2025، مُستندة إلى التأثير التراكمي على الجالية اليهودية، رغم أن اللوائح أُلغيت قبل خمسة أيام فقط.

أوضح محامو المجموعة، المعروفة باسم الشبكة اليهودية الدولية المناهضة للصهيونية (IJAN)، أن الحظر يُجدد أسبوعياً منذ ذلك الحين، وهو ما يمثل انتهاكاً للحق في الاحتجاج وفق القانون الدولي والمعايير البريطانية.

أجبرت شرطة العاصمة ائتلاف فلسطين على تغيير مسار مسيرته في نوفمبر قبل ثلاثة أيام فقط، مُعللةً ذلك بالتأثير التراكمي على الشركات خلال عطلة نهاية الأسبوع المعروفة بـ"الجمعة السوداء".

ذكر مدير حملة التضامن مع فلسطين، بن جمال، أن نائبة مساعد مفوض الشرطة أليسون حيدري أبلغته بأن قرارها بشأن فرض شروط مثل تغيير نقطة الانطلاق بنحو نصف ميل "سيعتمد كلياً على التأثير التراكمي لاحتجاجاتكم"، موضحاً أن الأمر "ليس مقتصراً على احتجاج يوم السبت فحسب، بل هو مزيج من جميع آثار جميع المسيرات حتى الآن".

أشار جمال إلى أن فرض الشرطة المتكرر للشروط تسبب في "اضطراب هائل" وكان بمنزلة "عامل تثبيط"، ما أدى إلى ارتباك بشأن نقاط الانطلاق، وتعريض المتظاهرين للمضايقة من قبل الضباط الذين اتهموهم بخرق شروط الاحتجاج.

وأكد متحدث باسم شرطة العاصمة أن كبار الضباط ما زالوا يملكون صلاحية النظر في التأثير التراكمي للاحتجاج على حياة المجتمعات، وأن الظروف القائمة في المجتمع تؤخذ في الاعتبار عند تحديد مدى الاضطراب المحتمل.

وأوضحت وزارة الداخلية أن "سلطة تقدير النظر في الاضطراب التراكمي" كانت ضمنية في قانون النظام العام لعام 1986، وأن التعديل القادم سيجعلها "شرطاً صريحاً"، ما يطرح تحدياً حقوقياً حول مدى حماية حرية التجمع السلمي.

اعتقالات وملاحقات

اعتقلت الشرطة البريطانية متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين بتهمة "الإخلال بالنظام العام بدوافع عنصرية"، وفقاً لتقرير أسوشيتد برس، بعد استخدام شعارات مثل "عولمة الانتفاضة"، التي أطلقها المتظاهرون لوصف الاحتجاجات العالمية ضد الحرب في غزة.

وأعلن مفوض شرطة العاصمة لندن مارك رولي وقائد شرطة مانشستر الكبرى ستيفن واتسون اتخاذ موقف أكثر صرامة بعد حادثة شاطئ بوندي والهجوم على كنيس يهودي في مانشستر، الذي أسفر عن مقتل شخصين، مؤكدين ضرورة منع استخدام الشعارات التي تحرض على العنف أو تستهدف فئات دينية بعينها.

وتوضح التقارير أن الاعتقالات شملت شخصين أُلقي القبض عليهما أثناء احتجاج أمام وزارة العدل، بينما أُلقي القبض على ثالث لمحاولته التدخل في عمليات الاعتقال، يبرز هذا النمط قيود الشرطة على حرية التعبير، وهو ما يشير إلى تحديات حقوق الإنسان في ممارسة الاحتجاجات.

منح صلاحيات جديدة للشرطة

منحت الحكومة البريطانية الشرطة صلاحيات جديدة لتقييد تكرار الاحتجاجات في نفس المكان، وفق رويترز، بعد أحدث مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين في أكتوبر 2025، رغم المطالبات بإلغائها إثر الهجوم الدامي على كنيس يهودي.

وصرحت وزيرة الداخلية بأن الحق في الاحتجاج حرية أساسية، إلا أنه يجب الموازنة مع حرية الجيران في عيش حياتهم دون خوف، مشيرة إلى أن الاحتجاجات الكبيرة والمتكررة قد تُشعر بعض فئات المجتمع، وخاصة المجتمعات الدينية، بعدم الأمان والخوف من مغادرة منازلهم.

وألقت الشرطة القبض على نحو 500 شخص خلال احتجاج تضامني مع حركة "فلسطين أكشن"، وهي جماعة حُظرت في يوليو 2025 بعد اقتحام قاعدة جوية وإلحاق أضرار بطائرات عسكرية، ما يعكس تطبيق السلطات لقوانين مكافحة خطاب الكراهية بشكل صارم ضد مؤيدي القضية الفلسطينية.

أوضح متحدث باسم "دافعوا عن هيئات المحلفين" أن هذه الإجراءات تمثل تصعيداً خطِراً، ودعا المؤيدين إلى التوقيع لإظهار رفضهم لانتهاك الحقوق الأساسية، بينما رحب مجلس نواب اليهود البريطانيين بإجراءات الحكومة، مؤكداً ضرورة حماية الجالية اليهودية.

أظهرت الأرقام، بحسب أسوشيتد برس، أن الحملة العسكرية الإسرائيلية على غزة عقب هجوم حماس في 7 أكتوبر الأول 2023، أسفرت عن مقتل أكثر من 70660 فلسطينياً، واحتجاز 251 رهينة، في حين قُتل 1200 شخص خلال الهجوم على إسرائيل، وهو ما يوضح حجم النزاع وأثره في الاحتجاجات العالمية المؤيدة للفلسطينيين.

ربطت السلطات البريطانية بين هذه الأحداث الدولية وبين ضرورة فرض قيود على الاحتجاجات المحلية، ما يطرح تساؤلات عن مدى احترام الحقوق الأساسية مثل حرية التعبير والتجمع السلمي في ضوء الأزمات الدولية، وهو محور النقاش الحقوقي الأساسي حول استخدام الشرطة لصلاحياتها.

استخدمت السلطات البريطانية صلاحيات متجاوزة للقانون لقمع احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين، سواء من خلال فرض قيود بناءً على تأثير تراكم الاحتجاجات، أو اعتقالات مستمرة، أو منح صلاحيات جديدة للشرطة، ويؤكد الخبراء القانونيون أن هذا النهج يثير مخاطر كبيرة على حرية التعبير وحقوق التجمع السلمي، ويضع تحدياً مباشراً أمام مبادئ حقوق الإنسان المعترف بها دولياً.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية